تبيان المقال في صيام ست من شوال

  • أ.د. عاصم القريوتي
  • 2652
نشر عبر الشبكات الإجتماعية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد روينا في صحيح مسلم عن أَبي أيوب – رضي الله عنه – : أنَّ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتّاً مِنْ شَوَّالٍ ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ ) .
وقال الإمام القرطبي رحمه الله في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم(10/ 18):
“ليس فيه دليل على أنها تكون متصلة بيوم الفطر ، بل لو أوقعها في وسط شوال ، أو آخره ، لصلح تناول هذا اللفظ له.
لأن ( ثم ) للتراخي ، وكل صوم يقع في شؤال فهو متبع لرمضان ، وإن كان هنالك مهلة.
وقد دل على صحة هذا قوله في حديث النسائي: (وستة بعد الفطر ).
ولذلك نقول :
إن الأجر المذكور حاصل لصائمها ؛ مجموعة أوقعها أو مفترقة ؛ لأن كل يوم بعشر مطلقًا ، والله تعالى أعلم .
انتهى كلام القرطبي رحمه الله:
وذكر العلامة الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله في شرحه لبلوغ المرام:
قوله صلى الله عليه وسلم” ثُمَّ أتْبَعَهُ ” : ليست متابعة ملازمة، بل لابد أن يفصل بين رمضان وشوال، وأقل شيء بيوم العيد، وإن زاد الفصل فلا مانع. كما ذكر ذلك.
وقال أيضا:
“وقد اتفق العلماء على أن تلك الست من شوال يصح صومها في العشر الأوائل من شوال، أو في العشر الوسطى، أو في العشر الأخيرة، أو يأخذ يومين من كل عشر سواء تابعها أو فرقها، المهم عند المالكية ألا تكون لاصقة برمضان مباشرة، لا يفصل بينها وبين رمضان إلا يوم العيد”.
قلت: بهذا يتبين أن صيام ست من شوال لا حرج في صيامها متتالية أم مفرقة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: “كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ”: لأن الحسنة بعشر أمثالها فرمضان بعشرة أشهر والستة بشهرين كما قال غير واحد من الأئمة وانظر شرح الزرقاني (2/ 271) وتحفة الأحوذي (3/ 388)

وبقيت مسألة وهي:
هل من عليه صوم قضاء لشهر رمضان يلزمه صوم القضاء قبل صيام ست من شوال ، أم له صيام الست وتأخير القضاء؟
والجواب على ذلك: أن الله تعالى قال: “فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ”.
ويقول الإمام القرطبي رحمه الله في “فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ”:
وإن فرقه أجزأه، وبذلك قال مالك والشافعي. والدليل على صحة هذا قوله تعالى:” فعدة من أيام أخر” ولم يخص متفرقة من متتابعة، وإذا أتى بها متفرقة فقد صام عدة من أيام أخر، فوجب أن يجزيه”. ابن العربي: إنما وجب التتابع في الشهر لكونه معينا، وقد عدم التعيين في القضاء فجاز التفريق.
وقال:”لما قال تعالى: “فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ” دل ذلك على وجوب القضاء من غير تعيين لزمان، لأن اللفظ مسترسل على الأزمان لا يختص ببعضها دون بعض. وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشغل من رسول الله، أو برسول الله صلى الله عليه وسلم. في رواية: وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا نص وزيادة بيان للآية.
أقول من خلال ما سبق يظهر أن تأخير قضاء المرأة لقضاء صيام رمضان لا حرج فيه، فتصوم المرء ستا من شوال قبل الفريضة لان القضاء للصيام موسع، ولا يؤاخذ المرء على تأخير قضائه، بينما صيام ستة من شوال قد تفوت مصلحته ويضيق وقته وخاصة لمن كثر عليه القضاء من رمضان كحال كثير من النساء.
يضاف إلى ذلك أن صيام المرأة التي عليها قضاء لرمضان ستا من شوال قبل صيامها للقضاء أرفق بها وبزوجها من صيام القضاء أولا ثم الست من شوال لقوله تعالى: “يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ”
ولما سبق من تأخير عائشة رضي الله تعالى القضاء إلى شعبان لانشغالها برسول الله صلى الله عليه وسلم ولمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيح.
وأما الاستدلال ب ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتّاً مِنْ شَوَّالٍ ) فخرج مخرج الغالب لمن لا عذر له من سفر أو مرض ونحو ذلك ، وأما من كان ذا عذر فله صيام ست من شوال وتأخير قضاء صيام الفريضة لان القضاء موسع من الله كما سبق ولكن لا يتم الأجر لمن صام الست إلا بعد إتمامه لما عليه من قضاء لرمضان فيكون بذلك قد صام رمضان وستا من شوال.
والله أعلم.

إغلاق

تواصل معنا

إغلاق