واجب المسلمين تجاه الاستهزاء بالدين وبنبي الرحمة للعالمين

  • أ.د. عاصم القريوتي
  • 18017
نشر عبر الشبكات الإجتماعية

بِسْم الله الرحمن الرحيم

واجب المسلمين تجاه الاستهزاء بالدين وبنبي الرحمة للعالمين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا نبيِّ الرحمة المبعوث إلى العالمين، أما بعد:

روى مسلم في صحيحه عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ».

والنصيحة للرسول – صلى الله عليه وسلم تكون بالإيمان الحق بنبوَّة ورسالَةِ محمد – صلى الله عليه وسلم – ونصرته حياً وميتاً ، فمن كان في حياته كان واجباً عليه أن ينصرَه ، ومن لم يدرِكْهُ وجب عليه أن ينصرَه و ذلك بالإيمانِ به – صلى الله عليه وسلم – وباتباع سنَّته وإطاعةِ أوامرِه واجتنابِ نواهيه، ومن لوازمِ النصحِ له – صلى الله عليه وسلم – العملُ على نشرِ الشريعةِ والدعوى إليها والتمسُّكِ بآدابها وبما أمرتْ وَوَجَّهَتْ إليه من التعاليمِ من هذين الوحيين كتابَ الله تعالى وسنَّةَ نبيه – صلى الله عليه وسلم-.

ومن لوازِمِ النصحِ للرسولِ عليه الصلاة والسلام التمسُّكُ بسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام والرجوعُ إلى السنَّة مع كتاب الله في التحاكمِ إليها في كل شؤون الحياة.

ومن النصحِ أيضا أن يَتْبَعَ المرءُ ما صحَّ له عن رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – ، وأن لا يُفَرِّقُ بينها وبين القرآن بمعنى : أن يأخذ بما جاء في القرآن ويعرضَ عما جاء في السنة النبوية فهذا إعراضٌ عن السنة وإعراضٌ عن كتابِ الله تعالى.

وأما ما يُنشر بين حينٍ وآخر في السخرية بدين الإسلام، وبنبيّ الهدى عليه الصلاة والسلام، وكان مِن أواخر ذلك ما نُشر في فرنسا مِن رسوم ساخرة بالنبي ﷺ فمن أعظمِ مظاهرِ المحبَّةِ له صلى الله عليه وسلم وأبرزِ دلالاتِ صدقِها الذَّبّ عنه وعن سُنَّته ببيان الواجب على المسلم تجاه الاستهزاء بالدين وبنبي الرحمة للعالمين، بكل ما نملك، ومن ذلك:

أولا: علينا أن نعلم ونؤمن بأن الله سبحانه وتعالى ناصرٌ دينه، وقد قال سبحانه: ﴿إِنَّا كَفَیۡنَـٰكَ ٱلۡمُسۡتَهۡزِءِینَ﴾، وهذا -كما يقول الشيخ السِعدي -رحمه الله تعالى- وعدٌ مِن الله لرسوله ﷺ ألا يضرَّه المستهزئون، وأن يكفيَه الله إياهم بما شاء مِن أنواع العقوبة، وقد فعل الله تعالى؛ فإنه ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله ﷺ إلا أهلكه الله وقتله شرَّ قِتْلة، ولا شك أن هذا الدين محفوظ بحفظ الله عز وجل له، والذي يسخر به أو بسنّة النبي ﷺ أو بنبي الهدى عليه الصلاة والسلام؛ فالله حسبُه ومنتقمٌ لدينه، وهذا مِن حفظ الله سبحانه وتعالى لهذا الدين.

وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} ويقول الشيخ السِعدي -رحمه الله تعالى- أي: أعلينا قدرك، وجعلنا لك الثناء الحسن العالي، الذي لم يصل إليه أحد من الخلق، فلا يذكر الله إلا ذكر معه رسوله صلى الله عليه وسلم، كما في الدخول في الإسلام، وفي الأذان، والإقامة، والخطب، وغير ذلك من الأمور التي أعلى الله بها ذكر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وله ﷺ في قلوب أمته من المحبة والإجلال والتعظيم ما ليس لأحد غيره، بعد الله تعالى، فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبيًا عن أمته.

ثانياً: أن السخرية بأي نوع مِن أنواع الدين أو بنبي الهدى ﷺ سواءٌ أكانت مِن الصور أو كانت مِن الكلام الذي يقال؛ يجب ألا يُنشر ولا يُتداول إلا لضرورةٍ قصوى ولأهل الاختصاص الذين مِن شأنهم العملُ بالسُّبل الشرعية، واتخاذ ما يرونه مناسباً في صدِّ ذلك، وما ينبغي أن يكون تجاهه.

 ثم هناك بعض الأمور قد تكون محصورة في بيئة معينة فلا يسعى الإنسان إلى نشرها حتى لا تتسع دائرة هذا الشر وانتشاره؛ بل ربما يمكن أن تموت هذه في مهدِها، ولا يسعى المسلم في نشرها.

روى مسلم في صحيحه عن أبي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ» فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ، فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ، فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ، فَقَالَتْ: مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ، قَالَ: فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا، فَفَتَحَتِ الْبَابَ، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَبْشِرْ قَدِ اسْتَجَابَ اللهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْرًا، قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا – يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ – وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَبِّبْ إِلَيْهِمِ الْمُؤْمِنِينَ» فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلَا يَرَانِي إِلَّا أَحَبَّنِي.

أيها الإخوة: إن لنا في حديث أبي هريرة هذا دروس وعِبَر كثيرة؛ ومنها:

أنّ أبا هريرة رضي الله عنه – لم ينقل هذه السخرية، ولم يبيِّن ما كانت تتكلم أمه آنذاك خلال شركها مِن سبٍّ أو شتمٍ أو كلامٍ في رسول الله ﷺ؛ بل أشار إشارة (أسمَعَتني في رسول الله ﷺ ما أكرَه، ثم لم ينشر أبو هريرة رضي الله عنه هذا الكلام وما قالت أمُّه بين الصحابة رضي الله عنهم.

ومنها: أنه بقِيَ بارًّا بأمه الكافرة المشركة، وهذا من الوصية بالوالدين؛ ولو كانا كافرين وهذا من سماحة وعظمة دين الإسلام، كما أن البر بالوالدين المشركين مشروط بعدم طاعتهما في الشرك كما في قوله تعالى: ﴿وَإِن جَـٰهَدَاكَ عَلَىٰۤ أَن تُشۡرِكَ بِی مَا لَیۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمࣱ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِی ٱلدُّنۡیَا مَعۡرُوفࣰا﴾.

ثالثا: علينا معشَرَ المسلمين أن نتحلى بالصبر وبضبط النفس – والحكمة  في مواجهة الأعداء كما في حديث أبي هريرة- تجاه أيِّ عمَلٍ ساخرٍ بدين الإسلام أو بنيِّ الهدى ﷺ.

رابعا: علينا لزاما القيام بأمورٍ عديدة، منها:

1-               تبيانُ محاسن الإسلام وحقيقةِ هذا الدين العظيم، وتبيانُ فضائل ومزايا وما كان للنبي ﷺ من شمائل، وما كان عليه من محاسن، صلوات ربي وسلامه عليه.

2-               علينا الاجتهاد في تبيان دين الإسلام وأنه دينُ رحمة، أراد الله به إخراج الناس من الشرك والكفر إلى الإيمان والتوحيد، وهذه أعظم رحمةٍ بالكفّار والمشركين والخلق أجمعين.

3-               علينا نشر كلّ ما يتعلَّق بمحاسن هذا الدين وفضائله، ونشرِ الكتُب المختصّة بذلك؛ كـ “فضل الإسلام” للشيخ محمد بن عبد الوهاب، و”الدرّة المختصرة في محاسن الدين الإسلامي ” للشيخ السَّعدي، ونشر بحوث المؤتمرات والنَّدَوات المتعلِّقة بنبي الرحمة؛ ومن أعظمها ” ندوة نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم ” التي سبَق أن عُقدت في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

4-               ترجمة الكتب والندوات التي تبين هذا الإسلام ووسطيته وسماحته،  وشمائل النبي عليه الصلاة والسلام وأخلاقه إلى لغاتٍ متعدّدة لكي يعرِف الناس هذا الدين على حقيقته، ولعلَّ هذا سببٌ من الأسباب الذي يجعله الله عز وجل لنشر هذا الدين، وسنجد من يُقبِل على هذا الدين؛ لأنّ الصورة ستتّضح حقيقةً أمام هذه الأوهام والأساطير التي ينشرُها أعداءُ الإسلام تجاه نبيّ الهدى ﷺ.

5-               علينا أنْ نُعنَى بما كتبه بعضُ المنصفين من المستشرقين في الثناء على دين الإسلام، وعلى نبي الهدى ﷺ ، ومنها  كتاب “الإسلام والرسول في نظر مُنصفي الشرق والغرب” للشيخ أحمد بن حجر آل بو طامي -رحمه الله تعالى-، وهو كتابٌ عظيم في بابه، ويُنشَر بِلُغاتٍ متعدّد، وله تهذيب للدكتور إسماعيل غصاب العدوي.

6-               علينا أن نحرص على التأسي بالنبي ﷺ قولًا وفعلًا، وندعو لتوحيد الله والسنة، ونجتنب البدع والمحدثات، ونتخلى بمحاسن الأخلاق ونكونَ أنموذَجًا صالحا متحرِّكًا يمثل الإسلام في أعمالنا وفي أفعالنا وفي كلِّ ما نصنع، وبخاصّةٍ لمن يُقيم في ديار الغرب.

7-               علينا معشرَ المسلمين مسؤوليّة عظيمة أمام الله عز وجل، حُكّامًا ومحكومين، علماء وطُلاب علمٍ؛ تجاه سنّة النبي ﷺ ودين الإسلام، وسَنُسْأل: ماذا قدَّمنا لهذا الدين؟ وماذا بيَّنّا عن حقيقة هذا الدين ودعوتِه؟ أعظمُها توحيدُ الله عز وجل، أعظمُها التحذير من الشرك بالله سبحانه وتعالى.

8-               على دول الإسلام وإعلامها مسؤولية كبيرة تجاه ما يجرى بتكثيف البيان لمحاسن هذا الدين وعظمته، واتخاذه كل ما يخدم نصرة سنة النبي صلى الله عليه وسلم ونبي الإسلام والذب عنه، وعلى كلٍ مسؤوليته وفق ما يؤدي حاكماً كان أو محكوماً.

9-               القيام بالثأر والانتقام الشخصي من المستهزئين ليس من السُّبُل الشرعيّة، وله مفاسد عظيمة، وَيتأذَّى المسلمون به في تلك البلاد وغيرها، وممّا يزيد في تشويه صورة الإسلام، وعقوبة الجناة على هذا الدين والمستهزئين تُناطُ بدولة الإسلام لاتخاذ ما يلزم، وبقضاء الشرع في ذلك، والله عز وجل لا يتركهم، لأنه يقول: ﴿إِنَّا كَفَیۡنَـٰكَ ٱلۡمُسۡتَهۡزِءِینَ﴾، والله ناصرٌ دينه، والدين المهيمن دين الإسلام، وسيبقى هذا الدين، ولا خوف على هذا الدين مهما اجتمع له أعداؤه ومهما تكالبوا، فدين الله هو الدين الذي سيخلّدُ ويبقى {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح: 28].

ختامًا: هذه كلماتٌ أردتُّ أن أُذكِّر بها نفسي وإخواني المسلمين ببعض ما يجب علينا تجاه الاستهزاء بالدين وبنبي الرحمة للعالمين، واللهَ عز وجل أسأل أن يوفقّنا جميعًا لنشر سنة النبي ﷺ، وتبيانِ هذا الدين على حقيقته، والقيامِ بما يجب تجاهه، وأن يستعملنا فيما يُرضيه.

وصلى الله وسلم على نبيِّنا نبيِّ الرحمة، والحمد لله رب العالمين.

إغلاق

تواصل معنا

إغلاق