اعلم أن مخرج الغيبة إنما هو من تزكية النفس والرضى عنها، لأنك إنما تنقصت غيرك بفضيلة وجدتها عندك، وإنما اغتبته بما ترى أنك منه بريء، ولم تغتبه بشيء إلا احتملت في نفسك من العيب أكثر، وإنما يقبله منك مثلك، فلو عقلت أن فيك من النقص أكثر لحجزك ذلك عن غيبته، ولاستحييت أن تغتابه بما فيك أكثر منه، ولو علمت أن جرمك عظيم بغيبتك غيرك، وظنك أنك مبرأ من العيوب لحجزك ذلك، ولشغلك عن ذلك.
وكيف، وإنما يلقى الأموات الأموات؟
ولو كانوا أحياء إذا ما احتملوا ذلك منك، ولتناهوا.
واعلم أن ميت الأموات أحمد في العاقبة من ميت الأحياء، وتفسير ميت الأحياء أموات القلوب، وهم أحياء في الدنيا.
فمن كانت هذه صفته كثرت أوزاره، وعظمت بليته، فاحذر يا أخي الغيبة كحذرك عظيم البلاء أن ينزل بك، فإن الغيبة إذا نزلت وثبتت في القلب وأذن صاحبها لنفسه في احتمالها لم ترض بسكناها حتى توسع لأخواتها، وهي: النميمة، والبغي، وسوء الظن، والبهتان، والكبر، وما احتملها لبيب، ولا رضي بها حكيم، ولا استصحبها ولي الله قط.
فإنا لله وإنا إليه راجعون .
من المدخل لابن الحاج رحمه الله.